إلهنا القدوس يريد أن تكون أفكارنا دائماً طاهرة ونقية، لا تتلوث ولا تلوث القلب معها إذا ما تحوَّلت من أفكار إلى شهوات. والأفكار الشريرة على أنواع: منها أفكار النجاسة، وأفكار الحقد والانتقام، وأفكار العظمة والكبرياء، وأفكار الدهاء والنصب، وأفكار التجديف والإلحاد. وما إلى ذلك.والأفكار الشريرة تأتي إمَّا من فساد داخل النفس، وإمَّا من حروب الشياطين، أو من عِشرة ردئية منحرفة.
«« ونصيحتي لك أنك لا تنتظر حتى تهجم عليك الأفكار ثم تقاومها. بل الأفضل ـ إن استطعت ـ أنك لا تعطيها مجالاً على الإطلاق للوصول إليك. وكيف ذلك؟ اشغل فكرك باستمرار بما هو مفيد. حتى إن أراد الشيطان أن يحاربك بفكر شرير، يجدك مشغولاً وغير متفرِّغ له، فيمضي عنك. ولكن ما أصعب أن تأتي المحاربة الفكرية إلى الإنسان، فتجد أبوابه مفتوحة، وعقله مستعد للقبول. لذلك ما أعمق قول الحكماء: " إن عقل الكسلان معمل للشيطان "!
«« ولكن إن حدث ودخل فكر رديء إلى عقلك، استبدله بفكر آخر يحل محله. لأنَّ العقل لا يستطيع أن يُفكِّر في موضوعين في وقت آخر بنفس العمق. لذلك ينبغي أن يكون الفكر الجديد الذي تريد به أن تُغطِّي على فكر المحاربة، يكون عميقاً حتى يمكنه أن يطرد الفكر الآخر. كالتفكير في لغز أو مشكلة أو مسألة عقائدية، أو موضوع يهمك جداً، أو محاولة تذكّر شيء نسيته ... أو في مشكلة عائلية أو اجتماعية هامة، أو في سؤال عويص ليس من السهل الإجابة عليه، أو في موضوع يسرّك أن تستمر أن تفكّر فيه ....
أمَّا التفكير السطحي فلا يطرد الأفكار المحاربة لك. إنما تطرد أفكار تكون أعمق منها، تدخل إلى أعماقك وتحل محل تلك الأفكار الشريرة ...
«« يمكنك أيضاً أن تطرد الأفكار التي تحاربك، وذلك بأسلوب الإحلال. على أن تكون أيضاً قراءة عميقة. لأنَّ القراءة السطحية تعطي مجالاً للسرحان، ويبقى الفكران معاً: أحدهما سطحي والآخر عميق. فإن حاربك فكر شهوة، لا تصلح لطرده قراءة عادية، بل تصلح القراءة التي تشغل الفكر في عمق.
«« ورُبَّما يُطرَد الفكر عن طريق الصلاة. لأنَّ الإنسان يستحي من الفكر الخاطئ أثناء مخاطبته للـه في صلاته. كما أنه ينال معونة من الصلاة إن كانت بحرارة تقاوم السرحان.
وقد يُطرَد الفكر بالانشغال بعمل يدوي، إن كان هذا العمل يحتاج إلى انتباه وتركيز. وعموماً فإنَّ العمل يشغل الإنسان ويريحه من حرب الأفكار، بعكس الفراغ الذي يكون مجالاً لحروب الفكر. لذلك قال الحكماء: إنَّ الذي يعمل يحاربه شيطان واحد، بينما الذي لا يعمل تحاربه عدة شياطين. ونلاحظ أن اللـه قد أعطى أبانا آدم عملاً يعمله وهو في الجنة، مع أنه لم يكن محتاجاً إلى العمل من أجل رزقه ...
«« فإن لم يمكن طرد الفكر الشرير بكل هذه الوسائل، فالأصلح أن يخرج الإنسان من وحدته ليتكلَّم مع شخص آخر. لأنه من الصعب أن يتكلَّم مع إنسان في موضوع مُعيَّن، وفي نفس الوقت يكون عقله مُنشغلاً بفكر آخر.